هل تشعُر أنك لست بِحاجة الى أيّ أحدْ ..؟؟ اذن .. أنتَ في أشّد الحاجه الى أيّ أحد ..!!
أجلِس في السيارة .. وانظُر من النافذه الى القمر .. وانظُر بامعان لتكتشف معي كم هو وحيد ذاك القمر الجالس في مملكة المساء .. دائماً هو في السماء وحده .. دائماً وحده .. صحيح أن بجواره بضعْ نجمات صغيره مبعثره هنا وهناك .. لكن لاهي من جنسه ولا هو من جنسها .. تلعب النجمات مع بعضها .. تتكلم وتلهو وتحب وتتخاصم وتتصالح .. تخرج للسينما أو للجلوس في مفهى .. ويدفعها الحرج منه فتدعوه للخروج معها .. لكنه ولأنه يعلم جيداً أنها ليست سوى دعوه فرضها الواجب ليس الا .. يهُزُ رأسه بأدب ويتعلل بأي عُذر .. سيقبَلون أعذاره " المتهافته فوراً " وينطلقون بسرعة لحالِ سبيلهم وقد تخلصوا من عبء القمر عليهم ..
سيتركونه وحده يٍُسلي نفسه بنفسه بأخذ أشكال متعدده .. هلال وبدر ومحاق .. يُقنع نفسه أنه يُضيء للبشر رغم أنه يعلم جيداً استغنائهم عنه باللمبه الفلورسنت ..
اجلِس معي في السياره .. وانظُر لـ قمرٍ سيختفي آخر الشهر ليرى ان كان أحداً ما سيسأل عنه .. وبما أن أحداً لم يلحظ غيابه أصلاً .. سيعود خجلاً أول الشهر .. ويصيح بعصبيه وافتعال " أسف لأني تأخرتُ عليكمْ " ..
ويدخل سريره في الصباح ( فالأقمار لا تنام الا صباحاً لشعورها الدائم بالأرق الناتج عن كل هذه المشاكل ) .. ورغم أنه يقول أذكار النوم .. الا أنه .. ككل ليله .. لا ينام الا حزيناً ..
حسناً أيُها القمر اللطيف .. أنـا مثلك تماماً .. وثمة تشابه بيننا لا تُخطِئه العين ..
يمتليء الشارع بمن يُعرفونَ بالبشر وينطلقون الى مايُعرف بالبيت .. يُشغٍل السائق أجمل أغنية احبها لماجده الرومي .. فـ استرخي في جلستي مستسلمةً لحالة الاستغناء عن البشر التي يخلقها فينا الفن الحقيقي .. تتملكني حالة الـ " لستُ بحاجة الى أحد " ..
ما الذي أخذناهُ من الأصدقاء غير التجاهل و النسيان وعدم الفهم و اصطناع الاهتمام .. فضلاً عن طعنةٍ مقصوده هنا واخرى غير مقصودة هناك .. ماذا غير اتصال ننتظره ولا يأتي .. وماذا غيرُ سؤال " وش فيك " بلا مبالاه تجرحك وتجعلك تجيب بابتسامة ميته " الحمد لله زين مافيني شي " ..
انزل من السيارة مصطحبة معي ماجده الرومي و القمر .. أُغلق بابَ غرفتي .. تكفيني وِحدتي .. امشي وحدي وأموت وحدي وأُبعث يوم القيامة وحدي .. عندي علاقات طيبه مع البخور و النعناع و شجر الكافور .. وصداقات حقيقيه تبدأ بأبي الطيب المتنبي ولا تنتهي بنزار قباني ..
تعلّم البُعد اذن .. واذا غلبك الحنين فـ القي نظره على فتاه تنتظر أمام واجهة محل .. تخيل مشاجره ستحدث بينهما .. وتخيل عذاب ليلة بعد مشاجره عنيفه لتَثبُت على قرارك السليم بالبُعد عن البشر ..
ولكن مهلاً .. لماذا لا أسمع ماجده الرومي بنفس النشوه .. ؟ لماذا أصبحت الخواطر أقلُّ تدفقاً بمجرد جلوسي في غرفتي .. ؟ لماذا تلك الملاحظه الدائمه بأن حضور محاضره شيء و سماعها شيء آخر .. ! كأنّ الصورة لا تكتمل الا بمن حولك .. مهما ضقت بعدم فهمهم لك .. بل لعلَّ عدم الفهم هذا هو الذي يخلُق المعنى ويُعطي الأشياء قيمتها .. ولعلَّ ماجده الرومي اذن أصابت تماماً " ان كل امرأةٍ تحتاجُ الى كفِ صديق " .. بل وكلِ رجلٍ أيضاً .. كلنا بحاجه الى هذا الصديق .. وجدناه أم لم نجده .. لابد أن يستمر البحث .. للأبد ..